عَطْبَرَة مدينة تقع في ولاية نهر النيل بالسودان، على ارتفاع 350 متر فوق سطح البحر، وتبعد عن العاصمة الخرطوم بحوالي 310 كيلو متر (193,5 ميل) وعن مدينة الدامر حاضرة الولاية بحوالي 10 كيلو متر (6,2 ميل) وعن ميناء بورتسودان في الشرق 611 كيلو متر، وجنوباً عن وادي حلفا بحوالي 474 كيلومتر.
وتعتبر عطبرة مركزاً صناعياً مهماً ونقطة اتصال بارزة تربط شمال السودان بشرقه. وهي واحدة من مدنه الكبيرة وتعرف بمدينة الحديد والنار، حيث توجد بها رئاسة سكك حديد السودان وأهم وأكبر منشآتها الصناعية والإدارية. كما ترتبط بخلة تاريخية نضالية ضد الاستعمار وكانت مهداً للحركة النقابية في السودان.
وعطبرة مدينة مقرن Confluence، تماماً كالخرطوم، حيث يلتقي عندها نهر عطبرة أو العطبراوي بنهر النيل، قبل أن يتجه بعدها النيل إلى مصر ليصب في البحر الأبيض المتوسط.
أصل التسمية ومعناه
كان يطلق على عَطْبَرَة اسم أتْبَرَا (قبل استبدال حرف التاء بطاء). وأتبرا لفظ مشتق من الكلمة العربية تتبير، كما يذهب البعض، وهو لغةً يعني التدمير أو التحطيم أو الهلاك. يقول عزّ وجلّ: ﴿وكلا ضربنا له الأمثال وكلاً تبرنا تتبيراً﴾ (الفرقان:39). وسُميت عطبرة بهذا الاسم لهيجان نهر عطبرة عند فيضانه ودخوله إليها في الاتجاه الشمالي الغربي وانحداره بسرعة كبيرة في سهولها المنبسطة حيث يحطم ويجرف كل ما يقع في مجراه أو على حوافي ضفافه من شجر ودواب وعمران وبشر.
وهناك رواية أخرى وردت في كتاب الدكتور عون الشريف قاسم (%20 اللهجة %20 العامية %20 في %20 السودان قاموس اللهجة العامية في السودان) جاء فيها أن أصل الاسم (أتبرا) لفظ يوناني وهو إيس تبوراس Essetaboras (باليونانية σταβορασ) ويستدل بأول الكلمة إيس Esse إذ قيل أنها من اللغة النوبية وتعني المساء، أما آخر الكلمة taboras فيعني العابدون شفاهة.
كذلك يقّر الدكتور عون الشريف قاسم، في مصدر آخر نقلا عن الدكتور عبد المجيد عابدين، بالأصل اليوناني للكلمة والمأخوذ من إحدى اللغات النوبية القديمة وكان ينطق عَطْبَرا.
وثمة رواية ثالثة مصدرها الدكتور جعفر ميرغني تفيد بأن الكلمة تتركب من مقطعين هما «إد» و«وبارا»، حيث يرادف المقطع الأول «إد» لفظ البحر بلغة العنج، وأما المقطع الآخر «وبارا» فهو اسم مرويّ باللغة المَرويّة القديمة، وبذلك يصبح معنى المقطعين مجتمعين بحر مَرَوِي.
أما الرواية الرابعة فتنسب إلى الإعلامي التوثيقي الطيب محمد الطيب، وذكر فيها أن الكلمة نوبية الأصل ومركبة من لفظين هما «إد» ويعني أرض و«بارا» وهو الساحل، فيصبح معنى الكلمة أرض الساحل.
التاريخ
قامت عطبرة في قرية الداخلة التي اختارها الإنجليز لتصبح موقعاً حربياً لقواتهم بعد استعادة استعمار مدينتي أبو حمد وبربر في سنة 1898م، لموقعها الذي يحيط به نهري النيل وعطبرة من جهة الجنوب والغرب.
ويرتبط تاريخ عطبرة الحديث ارتباطاً وثيقا بتاريخ السكك الحديدية في السودان وتاريخ الحركة النقابية السودانية، حيث بدأت مرحلة نشوئها وتطورها كمدينة مع بداية تشييد خط السكك الحديدية من قبل القوات البريطانية المصرية عند غزوها للسودان لاستخدامه في نقل المؤن والعتاد الحربي من مصر وذلك في إطار استعداداتها للزحف نحو أم درمان عاصمة الدولة المهدية واسترداد السودان. وكان بناء الخط قد بدأ في منتصف تسعينيات القرن التاسع عشر عبر الصحراء حتى أبو حمد ومنها إلى عطبرة. وفي أبريل 1898 انتصرت القوات الغازية بقيادة كتشنر على قوات المهدي التي كان يقودها الأمير محمود ود أحمد في معركة نخيلة شمال عطبرة واستمر بناء الخط حتى وصل عطبرة في 3 يوليو 1898 م وتم في تلك الفترة نقل 3 بواخر مدفعية إلى عطبرة والتي كان لها دوراً حاسماً في الانتصار على قوات المهدية.[1] وفي عام 1906م تم توصيل خط من عطبرة إلى ميناء بورتسودان لنقل قطن الجزيرة إلى مصانع لانكشير في بريطانيا، وبذلك أصبحت عطبرة حلقة وصل مهمة بين شمال السودان والعاصمة الخرطوم من ناحية، وبينها وبين ميناء بورتسودان في الشرق من ناحية أخرى.
وفي عام 1939 اختيرت عطبرة مركزاً رئيسياً لإدارة السكك الحديدية وورشها ومخازنها اللوجستية، والتي أصبحت أكبر صاحب أعمال بالمدينة يوظف في خدمته معظم سكانها حتى بلغ عددهم 120 ألف عامل تقريباً. ونتيجة لسياسة التمييز ضد السكان الوطنيين وعدم مساواتهم بالبريطانيين قرر عمال السكك الحديدية تأسيس نقابة عمالية خاصة بهم كانت أول نقابة عمالية في السودان. وفي عام 1947 نظمت النقابة إضراباً عاماً تضامناً مع نقابات عمالية مصرية.
نمت نقابة العمال السودانية حتى صارت واحدة من أقوى وأكبر الحركات العمالية المناوئة للاستعمار في إفريقيا وأصبحت على علاقة قوية مع الحزب الشيوعي السوداني الذي كان يتبنى قضايا ما كان يصفها بالبروليتاريا السودانية.
في عام 1954 م، تمت سودنة السكك الحديدية وتم تعيين محمد الفضلي أول سوداني في منصب مدير سكك حديد السودان.
وبعد فشل الانقلاب العسكري الذي قاده ضباط موالون للحزب الشيوعي ضد الرئيس جعفر نميري في سبعينيات القرن الماضي، وقيام نميري بحلّ الحزب الشيوعي وتفكيك منظماته والتضييق على مناصريه تقلصت قوة اتحاد النقابات. وفي عام 1981 م وجّه نميري ضربة قاضية للإتحاد بحلّه نهائياً وفصل آلاف العمال من الخدمة وإجلائهم من المنازل الحكومية التي كانوا يقيمون فيها مع الإبقاء على الورش الكبيرة للقيام بأعمال الصيانة فقط.[2] وبالتوسع في شبكة الطرق البرية تراجع دور السكك الحديدية وتقلصت أهمية عطبرة كحلقة وصل، لكن مشاريع تأهيل خطوط السكك الحديدية مؤخراً وتقاطع شبكات الطرق البرية الجديدة في عطبرة فضلا عن المشاريع الزراعية في المنطقة، ساعدت المدينة على استرداد أهميتها ودورها التاريخي كحلقة وصل للنقل والمواصلات ومركز تجاري وصناعي.
التخطيط العمراني
تقسم السكة حديد المدينة إلى شطرين: شرقي وغربي. ففي الشطر الشرقي حيث الكثافة السكانية الكبيرة توجد المراكز التجارية والبنايات ذات الطابقين أو أكثر. وفي الشطر الغربي الذي يبعد عن مجرى نهر النيل بحوالي كيلو متر واحد حيث كان يسكن البريطانيون ونشأ حي ظليل الشوارع تنتشر فيه منازل البنجلو Bungalow وراء الأسوار والحدائق. وبالقرب من خط السكك الحديدية بنى البريطانيون منازل مخروطية السقف لعمال السكك الحديدية من المصريين. ويبعد نهر عطبرة عن وسط المدينة بحوالي 2 كيلو متر، وهناك يوجد جسر صغير يربط بين ضفتي النهر.
وفي الفترة التي أعقبت خمسينيات القرن الماضي شهدت المدينة أهم خطط عمرانية حيث تمت إعادة تخطيط معظم الأحياء والمناطق السكنية وتم تحديث شبكة إمدادات المياه والإنارة وتوسيعها، وتحولت قرية الداخلة إلى منطقة سكنية من الدرجتين الثانية والثالثة. وفي عام 1960 ظهرت امتدادات سكانية جديدة بالمدينة لاستيعاب النمو السكاني فيها.
الطوبغرافيا
تقع عطبرة على الضفة الشمالية لنهر عطبرة والضفة الشرقية لنهر النيل على أرض شبه مستوية، ترتفع قليلاً في أجزائها الشرقية والشمالية وتنحدر تدريجياً نحو مجرى نهر النيل ومجرى العطبراوي، تتخللها بضعة خيران ومجاري مائية تمتلأ بالمياه في المواسم المطيرة، وتقع في غرب المدينة في منطقة الداخلة والسيالة، ينحدر بعضها من الشمال نحو الجنوب ليصب في نهر عطبرة بينما ينحدر البعض الآخر من الشرق نحو الغرب تجاه نهر النيل الذي يتجه شمالاً نحو مصر عابراً الصحراء دون أن يصب فيه بعد ذلك أي رافد، مما يجعل عطبرة أول مدينة تقع على نهر النيل بعد اقترانه بآخر روافده.